المنقولُ الطيِّب عن شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب «الوابل الصيب» الشيخ محمد بن إبراهيم المصري


 
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على رسولِه محمدٍ خاتمِ النبيين، وعلى آلِه وصحبِه الطيبين الطاهرين.
 
أما بعد...
 
 
· فقد قالَ الإمامُ شمسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بنُ أبي بكرٍ المعروفُ بِابْنِ قَيِّمِ الْجُوزِيَّة –رحمه الله تعالى- في كتابه «الوابل الصَّيِّب مِنَ الْكَلِمِ الطَّيِّب»(ص/10):
قال شيخُ الإسلامِ: «الْعَارِفُ يَسِيرُ إِلَى الله بَيْنَ مُشَاهَدَةِ الْمِنَّةِ، وَمُطَالَعَةِ عَيْبِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ».
 
· وقال أيضًا (ص/13):
«ما أحسنَ ما قال شيخُ الإسلامِ في تَعْظِيمِ الأمرِ والنهي! هُوَ: أَلَّا يُعَارَضَا بِتَرَخُّص جَافٍ، وَلَا يُعَرَّضَا لِتَشْدِيد غَالٍ، وَلَا يُحْمَلَا عَلَى عِلَّةٍ تُوهِنُ الِانْقِيَادَ».
 
· وقال (ص/66):
وسمعتُ شيخَ الإسلامِ ابنَ تيميةَ –قَدَّسَ اللهُ تعالَى روحَه- يقول: «الذِّكْرُ لِلْقَلْبِ مِثْلُ الْمَاءِ لِلسَّمَكِ؛ فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ السَّمَكِ إِذَا فَارَقَ الْمَاءَ؟».
 
· ثم قال:
«وحَضَرْتُ شيخَ الإسلامِ ابنَ تيميةَ مَرَّةً صَلَّى الفجرَ، ثم جَلَسَ يَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى إِلَى قريبٍ منَ انْتِصَافِ النهارِ، ثم الْتَفَتَ إلىّ، وقال: هذه غَدْوَتِي، ولو لم أَتَغَدّ الغداءَ سَقطَتْ قوَّتِي، أو كلامًا قريبًا مِن هذا».
 
· وقال لي مرة : «لا أتركُ الذّكرَ إلا بِنِيَّةِ إِجْمامِ نفسي، وإراحتِها؛ لِأَسْتَعِدّ بتلك الراحةِ لذِكْرٍ آخر». أو كلامًا هذا معناه.
 
· وقال (ص/75، 76):
وسمعتُ شيخَ الإسلامِ ابنَ تيمية -قدس الله روحه- يقول: «إنّ في الدنيا جنةً مَنْ لم يدْخلْها لا يدخل جنَّةَ الآخرة».(1)
-       وقال لي مرة: «ما يصنعُ أعدائي بي؟ أنا جَنَّتي وبُسْتاني في صدري، إن رُحْتُ فهي معي لا تفارقني، إنّ حَبْسِي خلوة، وقَتْلِي شَهادة، وإخراجي من بلدي سياحة».
 
- وكان يقول في مَحبسِه في القلعة: «لو بَذَلْتُ ملءَ هذه القلعةِ ذهبًا، ما عَدَلَ عندي شكرَ هذه النعمة». أو قال: «ما جَزَيْتُهُم على ما تَسَبَّبُوا لي فيه من الخير».ونحو هذا.
 
- وكان يقول في سجوده وهو محبوس: «اللهم أعنّي على ذِكرِكَ، وَشُكْرِكَ، وحُسْنِ عِبَادَتِكَ». ما شاء الله.
 
- وقال لي مرة: «المحبوسُ مَن حُبِسَ قلبُه عن ربِّه تعالى، والمأسورُ من أَسَرَهُ هواه».
 
- ولما دخل إلى القلعة وسار داخل سورها نظر إليه، وقال: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)[الحديد: 13].
 
 
- وعلِمَ الله ما رأيتُ أحدًا أطيبَ عيشًا منه قط؛ مع ما كان فيه من ضِيقِ العَيشِ، وخِلافِ الرفاهيةِ والنعيمِ بل ضدها، وما كان فيه من الحبسِ والتَّهديدِ والْإرهاقِ، وهو مَع ذلك مِنْ أطيبِ الناسِ عَيْشًا وأشرحِهِم صدرًا، وأقواهُم قلبًا، وأَسَرِّهِم نفسًا، تَلُوحُ نَضْرَةُ النعيمِ على وجهِه، وكنا إذا اشتدَّ بنا الخوفُ، وسَاءَتْ منَّا الظنونُ، وضَاقَتْ بنا الأرضُ أَتَيْنَاه، فما هو إلا أن نراه، ونسمعَ كلامَه فَيذهب ذلك كلُّه، وينقلبُ انشراحًا، وقوةً، ويقينًا، وطمأنينةً، فسبحان من أشْهَدَ عبادَه جنتَه قبل لقائِه! وفتح لهم أبْوَابَهَا في دار العمل؛ فآتاهم من روحِها، ونسيمِها، وطِيبِها ما استفرغ قواهم لطلبِهَا، والمسابقةِ إليها.
 
· وقال (ص/119):
«وقد شاهدتُ مِن قوَّةِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ في سننِه، وكلامِه، وإقدامِه، وكتابِه أمرًا عجيبًا؛ فكان يكتب في اليومِ مِنَ التصنيفِ مَا يَكْتُبُه الناسخُ في جمعة وأكثر، وقد شاهَدَ العَسْكَرُ مِنْ قُوَّتِه في الحربِ أمرًا عظيمًا».
 
· وختامًا:
قال الإمامُ ابنُ القيّمِ في «مدارجِ السالكين»(1/324):
«وكان شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية Iيقول: مَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ الْأَبَدِيَّةَ فَلْيَلْزَمْ عَتَبَةَ الْعُبُودِيَّة».
 
اللهم اجعلنا ممن حقق لك العبودية زارزقنا السعدة الأبدية
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
 
 
---------------------------------------------
(1) ونقل هذا عنه أيضا في مدارج السالكين (1/ 342).