المقالة الدالية في كشف الأحوال الردية الشيخ محمد بن إبراهيم المصري


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله تعالى رب العالمين، الذي إحسانه أطيب مستزاد، ومحبته أكرم وداد، وطاعته أعظم عتاد.


-  أحكم تعالى المصنوع وأتقن وشاد، وخلق العبد وجعل له السمع والبصر والفؤاد، وكَّل به في بطن أمه ملكًا فكتب رزقه وأجله وعمله والشقاوة والإسعاد، وغذاه ورباه وقلبه وثناه وما يدري الآباءَ ولا الأجدادَ، {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ}[الرعد: 13].

- سبحانه وتعالىحذر العباد وأخبرهم بما يكون من الحشر والمعاد، وأمرهم بالتزود بالتقوى خير زاد، وبين لهم عاقبة تركها، وقص عليهم حال من عتا وعاد،{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)} [الفجر].

 - [وصلى الله وسلم على خير العباد رسول الله محمد سيد الأجواد وعلى آله الأطهار الأمجاد وصحبه الأبرار الآساد].

أما بعد،

-  ألم يأن للذين آمنوا أن يتركوا طول الرُّقاد، ويسلكوا سبيل سلفهم الصالحين الزهاد ف{الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)} [الزمر].

-  {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)} [الرعد].

-  فهل يجوز أن نخلد إلى الأرض هذا الإخلاد، وقد انتشر - في بلادنا- الكفرُ والإلحاد، وكَثُرَ عن دين الله تعالى الارتداد، وتَمَكَّنَ أهلُ الكفرِ في مختلف البلاد، {بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)} [الرعد].

-  أخرج من السجن أهل الكفر والشذوذ والفساد(1)، وبُثَّ بين الناس الدعاة إلى أنواع الردة والإلحاد، وانتشر الجواسيس للكفار في كل ناد، {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)} [غافر].

-  أشرك الكثيرون بالله واتخذوا الأنداد، وهُجِرَ منهاجُ رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم -منهاجُ الهدى والسداد، وسُبَّ أهلُه وأصحابُه في كل واد، {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)} [غافر]، {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)} [الزمر].

-  فشا في الناس الكبرُ والعناد، وعظم نشاط ذئاب المكر والفساد {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) وَيَاقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49)قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)} [غافر].

-  عاد على أهل المخالفة للحق شؤمُ مخالفتِهم كما عَادَ على عَاد، و{يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)} [غافر]، و{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4)} [غافر]. فهذا ليس آخر أمرهم، النار تحت الرماد {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)} [آل عمران].

{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)} [الرعد].

{فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)} [إبراهيم].

{هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)} [ص].

-  اللهم سَلِّمْنَا من الزيغِ والفساد، ووفقنا لطريق الرشاد، وارزقنا الهدى والسداد، واجعلنا على طريق السلف الصالحين الأمجاد.

-  اللهم دمر جيوش أهل الكفر والإلحاد، ووفق ولاة أمور المسلمين لقمع الكفر والزيغ والفساد، وإقامة الحدود على أهل الارتداد، وقتل الجواسيس الذين دسهم الكفار في هذه البلاد.

وحسبنا الله ونعم الوكيل، به سبحانه يعتصم العباد.

وصلى الله على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أهل العلم والإرشاد.
 

*******

 تذكرة أندلسية

-  قال بعض قضاة الأندلس لما سقطت بَلَنْسِيَة بيد النصارى(2)، -بعد كلام-:
 

«مالت قواعدُ الملة، وصِرْنَا إلى جمعِ القلة، وللشرك صيال وتَخَمُّط، ولِقَرْنِه في شَرَكه تَخَبُّط، وقد عاد الدينُ إلى غربته، وشَرِق الإسلامُ بكربته، كأن لم يُسمع بنَصرِ ابن نُصير، وطَرْقِ طارق(3) بكل خير، ونهشات حنش(4)وكيف أعيت الرُّقى، وأذالت بليل السليم يوم الملتقى، ولم تخبر عن المروانية وصوائفها(5)، وفتى معافر(6) وتعفيره للأوثان وطوائفها، لله ذلك السلف، لقد طال الأسى عليهم والأسف، وبقي الحَكَم العدل، والرب الذي قوله الفصل، وبيده الفضل.

-  ربنا أمرتنا فعصينا، ونهيت فما انتهينا، وما كان ذلك جزاء إحسانك إلينا، أنت العليم بما أعلنَّا وما أخفينا، والمحيط بما لم نأت وما أتَينا، لو أننا فيك أحببنا وقَلَيْنَا، لم تُرِنا من الفرقة ما رأينا، ولم تسلِّط عدوك وعدونا علينا، لكن أنت أرحم من أن تؤاخذنا بما جَنَيْنَا، وأَكْرَمُ من أن لا تَهَبَ حقوقَك إلينا»(7).

 

---------------------------------------------------------------------------
(1) كالذي سُمِّي كذبًا وخداعًا بـ«إسلام»، وليس له أي حظ أو نصيب في الإسلام، بل هو أصلا ليس من أهل الإسلام، اللهم انتقم منه ودمره، ودمر كل أعداء دينك الكفرة اللئام.
 
(2) وكان هذا سنة ست وثلاثين وستمائة، والله المستعان.
 
(3) يعني: ابن زياد.
 
(4) هو حنش الصنعاني: غزا الأندلس مع موسى بن نصير، وقيل: إن جامع سرقسطة من ثغور الأندلس مِن بِنائه وإنه أول من اختطه، وذكر بعض أهل العلم أن قبره بسرقسطة. وانظر: «تهذيب الكمال» (2/ 317).
 
(5) يعني: بني أمية وغزواتهم.
 
(6) يعني: المنصور محمد بن أبي عامر المعافري.
 
(7) «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب» (1/ 295، 296).