تحذير المسلمين من تمدد كفار الصين (7) الشيخ محمد بن إبراهيم المصري


بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين؛ لاسيما الكفرة الملحدين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وخير خلق الله أجمعين؛ رسول الله محمد الصادق الأمين، وعلى آله الطاهرين وصحبه الميامين.
 
أما بعد،فإنه لا يجوز لأحد من المسلمين أن يتولى الكفار أو يركن إليهم، أو يكون تابعًا لهم، حتى لو كان هذا في شأن دنيوي.(1)

إذ متابعتهم في الشئون الدنيوية يؤدي إلى متابعتهم في الشئون الدينية.
قال الله تعالى:  {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)} [هود].
 
وقال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)} [الكهف].
 
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران].
 
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)} [آل عمران].
  • وإن من أهم آثار العولمة(2)العصرية حصول التبعية الاقتصادية، فالتبعية السياسية، فالتبعية الثقافية الفكرية (الدينية) للكافرين.
  • بعبارة أخرى: إن من أهم آثار تمدد الكافرين اقتصاديًّا في بلاد المسلمين حصول تبعية اقتصادية -إن لم تكن سيطرة اقتصادية كاملة أو شبه كاملة لهؤلاء الكافرين (شرقيين كانوا أو غربيين = صينيين كانوا أو أمريكيين)- تستلزم تبعية أو سيطرة سياسية.
  • وإلى هنا فوجود التبعية الاقتصادية (فالسياسية) -دع عنك السيطرة-: لا يجوز شرعًا لما تقدم، ولأن هذه التبعية تعني العمل في كثير من الأحوال بخلاف شرع الله -عزوجل-، وتعني العمل على تمكين الكفار (في ومن) بلاد المسلمين.
  • لكن الواقع أن هذه التبعية الاقتصادية، ثم السياسية والتي تتحول إلى سيطرة وتغول، ثم احتلال لا يتم للكفار منها ما يريدون إلا إذا حولوا عقول وقلوب وأفكار وأديان هؤلاء (التابعين = المسيطر عليهم = المغفلين = المستغَلين = المحتَلّين = المنسحقين المسلوبين) إلى ما هم عليه أو إلى ما يخدم أفكارهم، أو -على الأقل- إلى ما لا يتصادم مع مصالحهم الدينية والسياسية والاقتصادية.
  • والذي يتابع وسائل الإعلام الصينية، وما ينشر فيها، وفي غيرها عن النشاط الاقتصادي المحموم (بل قل: الهجوم) الصيني في البلاد الإسلامية خصوصًا، وبلاد العالم عمومًا، وما يصاحبه من توسيع للنشاط السياسي، والمشاركة الصينية في الأحداث والأزمات العالمية، مع الغزو الثقافي الصيني(3) الذي قد يُرى ضعيفًا مقارنة بالغزو الغربي الصليبي النصراني واليهودي والإلحادي لكنهم يعملون على أن يتقدم هذا الغزو بقوة وبسرعة لعلمهم أن تمكنهم في بلاد العالم لا يتم إلا بهذا.(4)
أقول: من يتابع شيئًا من هذا يدرك ما ذُكِر -واقعيًّا- ويكون في ذهول من قوة الهجوم، وتعدد محاوره، واتساع مداه وعظم أهدافه(5)؛ بحيث يراد له التفوق على غيره من كل أنواع الغزو السابقة.(6)
 
 
ولا حول ولا قوة إلا بالله
 
اللهم إليك المشتكى من حالنا، وغفلتنا. إليك المشتكى من حال المسلمين وغفلتهم
 
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)} [آل عمران]

 

كتبه
محمد بن إبراهيم
بالقاهرة في 15/ 6/ 1440
 

---------------------------------------------------------
(1) والتعامل التجاري الصحيح الجائز -مع الكفار- ليس فيه هذه التبعية ولا هذا الركون، ولا يكون مؤديًا إلى شيء من هذا.

  • وتجنب هذا سهل -إن شاء الله- فخيار الشراء والاستيراد بيد المستهلك، وليس بيد البائع، لكن إلى الله المشتكى من الجهل والضعف والغفلة.
(2)هي كما قال بعضهم: «العولمة ظاهرة خطيرة تهدد الاستقرار السياسي والاقتصادي لكثير من دول العالم».

  • وقال أيضًا: «الدول الفقيرة تعاني من تبعات العولمة وخططها غير العادلة والمدروسة فعلًا لفرض استعمار جديد». [كما في «المجلة العربية» (ص/ 135)، عدد (509)].
(3)تم افتتاح 548 معهدًا من معاهد كونفشيوس في 154 بلدًا [كما في دورية «الصين اليوم» عدد فبراير 2019 (ن)].
 
(4)أُعلن قريبًا عن «خطة سعودية لإدراج اللغة الصينية في مناهج الدراسات والجامعات». [كما في «الشرق الأوسط» (ص/ 2) عدد (14697)]، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
 
(5) الذي يصل إلى الاحتلال الكامل، وإجبار الناس على الكفر ومظاهره [كما حصل في تركستان الشرقية وغيرها]، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
 
(6) وقد تنبهت دول الغرب الكفرية إلى ما لم تنتبه إليه الدول الإسلامية -للأسف الشديد-.
 
وقد نشر التقرير التالي في «الشرق الأوسط»! [عدد (14642) بتاريخ 30/12/ 2018 (ن)]:
 
تحت عنوان: «ألمانيا قلقة من الاستثمارات الصينية على أراضيها»
  • «تقدر الاستثمارات الصينية في العالم بتريليونات الدولارات، وتتحرك وفق خطط استراتيجية تهندسها حكومة بكين اعتمادا على احتياجاتها الخارجية!! [بل سياستها الاستعمارية] وبناء عليه قررت ألمانيا أن تكون عمليات شراء شركاتها الاستراتيجية من قبل المستثمرين غير الأوروبيين أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
ولم تنجح حكومة برلين في إخفاء قلقها إزاء الاستثمارات الصينية في قطاعات وطنية حساسة، مثل الاتصالات والدفاع والطاقة والنقل والإعلام.
 
وفي الآونة الأخيرة أقر البرلمان الألماني مشروع قانون يرمي إلى تعزيز آلية المراقبة الصناعية، وتوطيد نفوذ السلطات المحلية في إبطال أي عملية شراء أجنبية تجارية من شأنها تعريض المصالح الألمانية للخطر.
 
وتقول بيلغي أباك؛ الخبيرة في وزارة الاقتصاد الألماني: إن أي عملية استحواذ لأكثر من 10 في المائة من أسهم الشركات الألمانية المعروضة للبيع من قبل أي شركة أو مجموعة تجارية خارج دول الاتحاد الأوروبي تتطلب موافقة حكومة برلين مباشرة، وتضيف أن سقف استحواذ أسهم الشركات الألمانية من قبل المستثمرين الأجانب كان يرسو سابقًا على 25 في المائة، وحاول بعض النواب الألمان خلال جلسة تشريع القانون الجديد تثبيت هذا السقف على 15 في المائة، لكن محاولاتهم باءت بالفشل».
 
وتستطرد الخبيرة بالقول: «تحذو دول أخرى حذو ألمانيا، وعلى رأسها إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، عن طريق توطيد آليات مراقبة عمليات شراء شركاتها الوطنية.
 
وفضلا عن خسارة أصول صناعية استراتيجية وطنية تخشى ألمانيا أن يلجأ المشترون إلى نقل التكنولوجيا إلى وطنهم الأم، وبالتالي اختراق أسرار تكنولوجية وصناعية حساسة تخولهم بسهولة الانتقال من موقع المشتري إلى مكانة المنافس الذي قام بتعديل هذه الأسرار وفق احتياجاته التجارية الدولية الخبيثة».
 
وتختم القول: «وضعت ألمانيا أمامها معضلة التوغل التجاري الصيني الشرس داخل بنيتها التحتية الصناعية عقب عملية الاستحواذ المدوية لمنتجة الروبوتات الصناعية الألمانية (كوكا) من قبل عملاق الأدوات الكهربائية المنزلية الصينية (ميديا) في عام (2016)».
 
ومع أن شركة (كوكا) الألمانية كانت رائدة في صناعة الروبوتات؛ فإن حكومة برلين لم تستطع التشبث بعرض شراء أفضل من العرض الصيني وبهذا نجحت (ميديا) الصينية في الاستحواذ الكامل على أسهم (كوكا) مقابل 4.5 مليار يورو، شرط عدم نقل الحقوق الفكرية إلى الصين من جهة، وعدم تسريح أي موظف على الأراضي الألمانية حتى العام 2021 من جهة ثانية.
 
كان وزير الاقتصاد الألماني بيتر التماير قد أكد على أن حكومة بلاده عمدت على تغيير طرق تفاعلها مع الحقائق التجارية الجديدة في أعقاب سقوط شركة (كوكا) في أيدي الصينيين؛ ففي شهر يوليو (تموز) الماضي قام بنك الائتمان لإعادة التنمية الألماني المملوك للحكومة الألمانية ومقره مدينة فرانكفورت بشراء 20 في المائة من أسهم شركة (فيفتي هيرتز) الطاقوية؛ لنزع براثن الصين عنها.
 
وفي شهر أغسطس (آب) الماضي تدخل مكتب المستشارة الألمانية انجيلا ميركل مباشرة لتعطيل صفقة شراء صينية لشركة الماكينات الألمانية (لايفلد ميتال سبينينغ) في إطار تعزيز الأمن القومي الذي بات أولوية للحكومة الألمانية مهما كلفها الثمن، وفقًا للوزير.
 
وفيما يتعلق بالأمن القومي، تقول دانيلا ياكوب؛ الخبيرة الألمانية في الشئون التجارية الدولية: «إن حكومة برلين مع حكومات غربية أخرى تنظر بقلق إلى التوسع التجاري الصيني، ووضعت هذا التطور تحت مجهرين استراتيجيين؛ يتعلق الأول ببرنامج «صنع في الصين 2025» حيث تنوي حكومة بكين توجيه أعداد هائلة من اليد العاملة إلى صناعة التكنولوجيا شديدة التطور، الساعية إلى احتلال مراكز عالمية مرموقة في عشرة قطاعات صناعية، أولها صناعة السيارات الكهربائية».
 
وتضيف ياكوب: «أما المجهر الثاني فيسلط الضوء على شبكات الاتصالات المتطورة (فايف جي) لإحداث ثورة في عالم الإنترنت؛ حيث تستأثر شركتا (هواوي) و (زد تي إي كوربوريشن) الصينيتان بالمركز الأول والرابع في الأسواق العالمية».
 
قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله رب العالمين.