الحرص على أداء الحقوق إلى أصحابها، وطلب براءة الذمة قبل أن يأتي يوم {لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)} [لقمان].
ثانيًا:يُنصح الزوج بتقوى الله تعالى في نفسه وفي أهله:
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا».[رواه البخاري (5186)، ومسلم (1468)]
وقال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- -في خطبة الوداع-: «اتَّقُوا الله فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ الله، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ الله». [رواه مسلم (1218)]
قال الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى-[في «حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-» (ص/ 71)]:
«فيه الحث على مراعاة حق النساء، والوصية بهن، ومعاشرتهن بالمعروف، وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة في الوصية بهن، وبيان حقوقهن، والتحذير من التقصير في ذلك، فليراجعها من شاء في «الترغيب والترهيب» (3: 71 -74) للمنذري، و«رياض الصالحين» للنووي».
وينصح الزوج بأداء حقوق أهله كلها، وأن يحرص على عدم التقصير في ذلك، فإن حصل منه تقصير بقصد أو بدون قصد فليكن متواضعًا معتذرًا مدركًا للنقص عنده طالبًا المسامحة من أهله، وليأت إلى غيره الذي يحب أن يؤتى إليه، فكما أن له حاجة فلزوجه حاجة، وكما أن له شهوة فلغيره شهوة، وكما أنه لا يحب أن يُتكبر عليه أو يُقَصَّر في حقه، فلا يجوز له أن يتكبر على غيره أو يتعمد التقصير في حقه أو اللامبالاة به.
وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». [رواه البخاري (2558)، ومسلم (1829)]
قال أهل العلم:«ورعاية الرجل أهله: سياسته لأمرهم، وتوفية حقهم في النفقة والكسوة والعشرة». [انظر: «صحيح الترغيب والترهيب» (2/ 408)]
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سأله فقال: «أَتَزَوَّجْتَ؟» قال: فقلت: نعم. فقال: «أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟» فقلت: بل ثيب. قال: «فَهَلا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ» قلت: إن لي أخوات فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن وتقوم عليهن. قال: «أَمَا إِنَّكَ قَادِمٌ فَإِذَا قدمتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ». [رواه مسلم (715)]
قال الحافظ النووي -رحمه الله تعالى- في شرح هذا الحديث [في «شرح صحيح مسلم (10/ 53)]:
«فيه فضيلة تزوج الأبكار وثوابهن أفضل، وفيه ملاعبة الرجل امرأته وملاطفته لها ومضاحكتها وحسن العشرة». وقال: «قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا قدمت فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ» قال ابن الأعرابي: الكيس الجماع، والكيس العقل، والمراد: حثه على ابتغاء الولد».
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-[في «تعليقه على صحيح مسلم» (5/ 97 - ط. مصر)]:
«الكيس: هو العقل أو الفطنة أو ما أشبه ذلك، وذلك أن الإنسان إذا قدم إلى أهله مشتاقًا إليهم، فربما تغلبه الشهوة ولا ينظر في أمر المرأة، فيباشرها وربما تكون حائضًا، أو تكون على هيئة غير مرضية، فأراد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن يتفطن لهذا وأن لا يتسرع في الأمر».
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-[كما في «فتاوى نور على الدرب» (10/ 281)]:
«الواجب على الزوجة أن تصبر على أذى زوجها، والواجب على الزوج ألا يعتدي عليها في حقها، وأن يؤدي حقها، وأن يعاشرها كما يحب أن تعاشره؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ١٩].
فإذا أساء إليها بعدم المعاشرة الواجبة، فلها أن ترد عليه بالمثل؛ لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: ١٩٤]، لكني أرى أن تهادنه، وأن تصبر على أذاه، وأن تطيعه فيما يأمر به أو يدعو إليه، والفرج قريب».
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- [لمن سأله عن الغياب عن أهله لمدة سنتين ونصف للعمل]:
«هذه مدة طويلة. فينبغي لك أن تذهب إلى أهلك بين وقت وآخر. ثم ترجع إلى عملك. أما إذا كانت الزوجة سامحة بذلك ولا خطر عليها. وأنت تعلم أنها سامحة في ذلك. وأنها امرأة مصونة لا خطر عليها في ذلك. فلا حرج إن شاء الله. ولكن نصيحتي لك أن لا تفعل لا أنت ولا أمثالك. وعليك الذهاب إلى الزوجة بين وقت وآخر، وألا تطيل المدة. فطول المدة فيه خطر عظيم عليك وعليها. فينبغي لك أن تذهب إليها بين وقت وآخر، وأن تقيم عندها بعض الوقت وترجع إلى عملك كل ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وعلى الأكثر ستة أشهر ثم ترجع إلى عملك. والمقصود أنك تذهب إلى أهلك بين وقت وآخر. وكلما قصرت المدة فهو أولى؛ لأن الموضوع خطير والشر كثير. والفتن متنوعة في هذا العصر. فينبغي للزوج أن يراعي هذه الأمور. وأن يحرص على سلامة عرضه وعرض أهله، وأن يبتعد عن أسباب الفتنة. وينبغي لمن يعمل عندهم أن يسمحوا له وأن يساعدوه على الخير؛ لأن هذه أمور عظيمة يجب فيها التعاون على البر والتقوى والتساعد على الحق بين العامل وبين أصحاب العمل». [«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (21/ 233، 234)]
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- أيضًا:
«أما كون الزوج عادته التأسد على الزوجة، والاكفهرار وسوء الكلام، فهذا ليس من أخلاق المؤمن، والواجب أن يكون الزوج خلقه طيبا مع زوجته، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس أخلاقًا مع أزواجه. فالواجب على الزوج التأسي بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويكون طيب الخلق مع زوجته حسن المعاشرة، ونسأل الله للجميع الهداية». [«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (21/ 254، 255)]
وقال الشيخ ابن عثيمين[كما في «فتاوى نور على الدرب» (10/ 319)]:
«الواجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف لأمر الله تعالى بذلك في قوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء: ١٩]، وحق العشرة حق واجب على الزوج لزوجته، وعلى الزوجة لزوجها، ومن المعاشرة بالمعروف ألا يغيب الإنسان عن زوجته مدة طويلة؛ لأن من حقها أن تتمتع بمعاشرة زوجها، كما يتمتع هو بمعاشرتها.
ولكن إذا رضيت بغيبته، ولو مدة طويلة، فإن الحق لها، ولا يلحق الزوج منها حرج، لكن بشرط أن يكون قد تركها في مكان آمن لا يخاف عليها، فإذا غاب الإنسان لطلب الرزق، وزوجته راضية بذلك، فلا حرج عليه، وإن غاب مدة سنتين أو أكثر. وأما إذا طالبت بحقها في حضوره فإن الأمر يرجع في ذلك إلى المحاكم الشرعية، وما تقرره في هذا فإنه يُعمل به».
وقال أيضًا -رحمه الله تعالى-[كما في «فتاوى نور على الدرب» (10/ 289)]:
«فإذا كان هذا الزوج لا يرضى أن تُخِلَّ امرأته بشيء من المعاشرة الحسنة، فكيف يرضى أن يخل هو بشيء من المعاشرة الحسنة بالنسبة لزوجته؟ وليعلم أن أي حق يضيعه من حقوقها فإن الله -سبحانه وتعالى- سوف يحاسبه عليه، وإذا كان يرى من نفسه أنه أعلى من الزوجة فإن الله تعالى فوق الجميع، فالواجب عليه أن يراعي الله -سبحانه وتعالى-، وأن يتقي الله في نفسه أولًا، ثم في زوجته ثانيًا».
وثالثًا:تُنصح الزوجة بتقوى الله تعالى في نفسها بالحرص على طاعة الله تعالى، وأداء فرائضه والتقرب إليه بأنواع الطاعات، وتقوى الله تعالى في زوجها والإحسان إليه والصبر عليه، والتحبب إليه بما يستطاع من المباحات، والتزين له بالمباح من الزينات.
فكما قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ».[رواه مسلم (1467)]
وعليها الإكثار من الدعاء بصلاحها وصلاح زوجها وإصلاحه لها واستقامة حياتهما {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠]، فلتدع الله تعالى وهي موقنة بالإجابة {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)} [البقرة]، وعليها أن تبتعد -مهما كان الأمر- عن الحرام، وعن كل ما يؤدي إليه، ولتصبر عن الحرام وأسبابه، وتشتغل بكل نافع مفيد في الدين والدنيا، فتنتفع في نفسها لآخرتها، وتُلفِت بما تصنع من خير في بيتها نظر زوجها.
وبالنسبة لطلب الطلاق:
فقد قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-[كما في «فتاوى نور على الدرب» (10/ 343، 344)]:
«الواجب على كل من الزوجين أن يعاشر صاحبه بالمعروف لقول الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٢٨]، ولقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ١٩]، فإذا كان الخطأ من الزوج، أي هو الذي فرط فيما يجب عليه نحوك، ولم يقم به أو اعتدى على ما لم يحل له منك أنت فانتهكه، فلك الحق في أن تطلبي الطلاق إذا لم تتمكني من الصبر عليه، وإن كان الأمر بالعكس، وكان الخطأ منك، أنتِ التي فرطت في حق الزوج فلا يحل لك أن تفرطي في حقه أو تعتدي في حقه، ولا يحل لك أن تطلبي الطلاق أيضًا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَيمَا امْرَأَة سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ حَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ».
وإما إذا كان الأمر لا منك ولا منه ولكن يوجد في قلبك كراهة له شديدة لا يمكن أن تبقي معه؛ فلا حرج عليك في هذه الحال أن تطلبي الطلاق فإن امرأة ثابت ابن قيس بين شماس -رضي الله عنه- جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام أي أكره أن أكفر حقه، ولا أقوم به فطلبت -رضي الله عنها- الفراق فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» قالت: نعم. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- له -أي: لثابت-: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَة». فهذا حكم طلب المرأة الطلاق.
أما بقاؤها مع زوجها ولكن لا تقوم بحقه فهذا حرام عليها إلا إذا كان ذلك في مقابلة الزوج الذي لا يقوم بحقها فإن للمرأة إذا منع زوجها حقها أن تمنعه من حقه بقدر ما منعها من حقها لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤]، ولقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦].
لكن إذا صارت حال الزوجين على هذا الوصف فإن الواجب السعي في الإصلاح بينهما بحيث يسعى رجال ذووا دين وخلق من أقارب الزوجين لينظروا في الأمر ويصلحوا بينهما؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: ٣٥].
نسأل الله التوفيق، وأن يجمع بين كل زوجين بخير».
وقال أيضًا -رحمه الله تعالى-[كما في «فتاوى نور على الدرب» (10/ 350)]:
«إذا كانت هذه المرأة مستقيمة والزوج يؤذيها ويسيء عشرتها، فلا حرج عليها حينئذ أن تطلب منه الطلاق، ولو كانت ذات أولاد منه، وذلك لأنها رأت معاملة لا يجوز أن يقوم بها هذا الزوج، ولكن على الزوج أن يتقي الله -عزوجل-، وأن يذكر قول الله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)} [النساء].
ليتذكر علو الله -عزوجل- عليه وليتذكر أن الله تعالى أكبر منه، وأكبر من كل شيء، فله الكبرياء في السماوات والأرض، وهو العزيز الحكيم، فعليه أن يتذكر علو الله تعالى وكبرياءه، حتى يكون ذلك واعظًا له عن العلو على هذه المرأة والتكبر عليها».
وإذا عُلم ما تقدم: فننصح الزوجة أيضًا بالتأني والتريث وعدم الاستعجال في طلب الطلاق لاسيما إن كانت ذات أولاد أو خشيت أن يترتب على طلاقها من المفاسد والشرور أكثر مما هي فيه، لاسيما وهي تذكر عن زوجها -أصلحه الله وإياها- إكرامًا في عموم الأمور الأخرى، و{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)} [الطلاق].
أسأل الله تعالى لجميع المسلمين من الرجال والنساء لاسيما الأزواج والزوجات الصلاح والهداية والاستقامة على ما يحب ويرضى ظاهرًا وباطنًا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
